التحكيم السعودي- مرض مزمن وتشويه مستمر لكرة القدم
المؤلف: صالح الفهيد08.13.2025

لقد كُتبت سطور عديدة، وتناولت أقلام كثيرة القضية "المستعصية" التي تؤرق الكرة السعودية، وأقصد بها تحديدًا معضلة التحكيم. هذه المشكلة لازمتنا منذ زمن الراحل عبدالرحمن الدهام "أبو عزوز" وحتى يومنا هذا. لا أبالغ إذا قلت إنه لا يوجد صحفي، أو لاعب، أو مدرب، أو إداري إلا وقد عبّر عن تذمره واستيائه من قرارات الحكام. ولكن، مع الأسف، لا البكاء يجدي نفعًا ولا الشكوى تحقق فائدة.
فقد أظهرت الأيام والتجارب المريرة أن التحكيم لدينا أشبه بداء عضال، كالمرض الذي لا يرجى برؤه، فقد استعصى على كل محاولات الإصلاح والتطوير، وقاوم بشدة جميع الجهود المضنية التي بُذلت من أجل النهوض به. وأرى أن السبب في ذلك يعود إلى جذور تاريخية، وتحديدًا إلى مرحلة التأسيس الأولى، وبالأخص إلى فترة تولي السوري خالد سمان منصب سكرتير لجنة الحكام، والذي كان بمثابة الرئيس الفعلي للجنة في تلك الحقبة. هذا الرجل، بكل أسف، يتحمل القدر الأكبر من مسؤولية إخفاق الحكم السعودي وتخلف التحكيم عن مجاراة التطور المتسارع للكرة السعودية.
إن تحميله هذا القدر الكبير من المسؤولية ليس اعتباطًا، بل لأنه، وخلال سنواته الطويلة التي قضاها في اللجنة، رسخ نمطًا من الفساد استشرى في عروق التحكيم حتى وقتنا الحالي. ومما زاد الطين بلة أن أغلب من تولوا قيادة اللجنة من بعده، بمن فيهم آخرهم عمر المهنا، كانوا من الحكام الذين أشرف عليهم ودربهم خالد سمان. هؤلاء الحكام، بأخطائهم الفادحة، كانوا سببًا في منح بعض الفرق نقاطًا وبطولات لم يكونوا ليستحقونها أبدًا. فكيف لنا أن ننتظر منهم أن يحلوا معضلة التحكيم المستفحلة؟
إن كل ما نشاهده اليوم من تشوهات وعيوب صارخة في التحكيم السعودي ما هي إلا امتداد لجذور التأسيس السيئة التي توارثها حكامنا جيلًا بعد جيل حتى يومنا هذا.
إن الدافع وراء هذا الحديث هو ما شهدناه في مباراتي النصر والرائد والاتحاد والباطن من أخطاء تحكيمية كارثية تثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن كل شيء في منظومة كرة القدم السعودية قابل للتحسن والتطور والتغيير نحو الأفضل، إلا التحكيم الذي ما زال يراوح مكانه في حالة يرثى لها. فكلما هممنا بنسيان فضيحة أو كارثة تحكيمية، فاجأنا حكامنا بواحدة أشد وطأة.
تخيلوا، على سبيل المثال، أن حكم مباراة الاتحاد والباطن تغاضى بشكل فاضح عن احتساب ثلاث ركلات جزاء صحيحة وواضحة للاتحاد، وذلك بشهادة الخبير التحكيمي القدير محمد فودة.
أما عن مباراة النصر والرائد، فحدّث ولا حرج عن الأخطاء التحكيمية التي ارتكبت خلالها. كانت الأخطاء بالجملة ومن النوع "الفادح"، مما يضعها فوق مستوى الشبهات.
والحقيقة المرة هي أن مشكلة التحكيم لدينا لا يمكن اختزالها في حكم بعينه، ولا في مباراة محددة، بل هي مشكلة متجذرة في صميم التحكيم المحلي، وتظهر في أغلب مباريات الدوري. فقلما تخلو مباراة من هدف غير شرعي، أو ركلة جزاء لم تحتسب، هذا فضلًا عن الأخطاء الأخرى الأقل تأثيرًا.
والسؤال الذي يتردد صداه على ألسنة الجماهير الرياضية المتحمسة عقب كل مباراة يقودها حكم "محلي" هو: إلى متى سيستمر هذا الوضع المزري؟ وإلى متى سنظل نعاني من هذه الأخطاء الكارثية التي تقتل متعة كرة القدم؟